فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عرفة:

قوله تعالى: {مِّنكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا}.
دليل على أن الخاصية التي اختصّ الرسل بها حكمية وليست خلقية بوجه، وفيه التنبيه على حكمة إرساله منهم وهو تبرئته صلى الله عليه وسلم عن أن يكون ساحرا أو مجنونا، فيقال إليهم: لم نرسل إليكم أحدا تجهلونه بل أرسلنا واحدا منكم نشأ بين أظهركم وعرفتم براءته من كل آفة تنسب إليه. اهـ.

.قال البقاعي:

{يتلوا عليكم آياتنا} الحافظة لمن رعاها حق رعايتها على الصراط المستقيم عوضًا من تناشدكم الأشعار. قال الحرالي: وفيه أخذهم بما هو في طباعهم من إيثار أمر السمع على أمر العين الذي عليه جبلت العرب، لأنها أمة تؤثر مسموع المدح والثناء من الخلق على ما تناله من الراحة فتجهد في طلب الثناء من الخلق ما لم تجهد أمة غيرها، فكيف بها إذا كان ما دعيت إليه ثناء الحق عليها وتخليد ذلك لها في كلام هو كلام ربها. فتنال بذلك ما هو فوق مقصودها مما جبلت عليه من إيثار السماع على العين بخلاف ما عليه سائر الأمم؛ ثم قال: وفيه إغناء العرب عن إعمال أفكارها في تكسب العلم والحكمة لتستخرج منه أحكامًا، فكان في تلاوة الآيات عليهم إغناؤهم عن الاستدلال بالدلائل وأخذ الأمور بالشواهد وتولي الله ورسوله تعليمهم ليكون شرف المتعلم بحسب علاء من علمه، ففضل علماء العرب على سائر العلماء كفضل النبي صلى الله عليه وسلم على معلمهم ممن سواه صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {يتلوا عليكم آياتنا} أي يقرأ عليكم القرآن وسماه أولًا آيات باعتبار كون كل كلام منه معجزة، وسماه ثانيًا كتابًا باعتبار كونه كتاب شريعة، وقد تقدم نظيره آنفًا عند قوله تعالى: {ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلوا عليهم أياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة} [البقرة: 129]. عبر بيتلو لأن نزول القرآن مستمر وقراءة النبي له متوالية وفي كل قراءة يحصل علم بالمعجزة للسامعين.
وقوله: {ويزكيكم} الخ التزكية تطهير النفس مشتقة من الزكاة وهي النماء، وذلك لأن في أصل خلقة النفوس كمالاتٍ وطهاراتٍ تعترضُها أرجاس ناشئة عن ضلال أو تضليل، فتهذيب النفوس وتقويمها يزيدها من ذلك الخير المودع فيها، قال تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تكوين ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات} [التين: 4 6]، وفي الحديث: «بُعثت لأُتمم حُسْن الأخلاق» ففي الإرشاد إلى الصلاح والكمال نماء لما أودع الله في النفوس من الخير في الفطرة. اهـ.

.قال الألوسي:

{يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ ءاياتنا} صفة رسولًا وفيه إشارة إلى طريق إثبات نبوته عليه الصلاة والسلام لأن تلاوة الأمي الآيات الخارجة عن طوق البشر باعتبار بلاغتها واشتمالها على الإخبار بالمغيبات والمصالح التي ينتظم بها أمر المعاد والمعاش أقوى دليل على نبوته {وَيُزَكِيكُمْ} أي يطهركم من الشرك وهي صفة أخرى للرسول وأتى بها عقب التلاوة لأن التطهير عن ذلك ناشئ عن إظهار المعجزة لمن أراد الله تعالى توفيقه {وَيُعَلّمُكُمُ الكتاب والحكمة} صفة إثر صفة وأخرت لأن تعليم الكتاب وتفهيم ما انطوى عليه من الحكمة الإلهية والأسرار الربانية إنما يكون بعد التخلي عن دنس الشرك ونجس الشك بالاتباع، وأما قبل ذلك فالكفر حجاب. اهـ.

.قال البقاعي:

قال الحرالي: أنبأهم بأن هذا التنزيل لأنفسهم بمنزلة الغذاء للأبدان، فكما تتنامى أجسادهم بماء المزن وما منه فكذلك تتنامى أنفسهم بأحكام الكتاب وتلاوة الآيات، وذلك زكاؤها ونماؤها، لتتأكد فيه رغبتهم، لأن للمغتذي رغبة في الغذاء إذا تحققه، فمن علم أن التزام الأحكام غذاء لنفسه حرص عليها، ومتى نمت النفس وزكت قويت على ما شأنها أن تناله قواها، كما أن البدن إذا قوي بالغذاء تمكن مما شأنه عمله. انتهى.
سؤال: لم قدمت جملة: {ويزكيكم} على جملة: {ويعلمكم الكتاب والحكمة} هنا عكس ما في الآية السابقة في حكاية قول إبراهيم: {يتلوا عليهم أياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم} [البقرة: 129]؟
الجواب: قدمت جملة: {ويزكيكم} على جملة: {ويعلمكم الكتاب} والحكمة هنا عكس ما في الآية السابقة في حكاية قول إبراهيم: {يتلوا عليهم أياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم} [البقرة: 129]، لأن المقام هنا للامتنان على المسلمين فقدم فيها ما يفيد معنى المنفعة الحاصلة من تلاوة الآيات عليهم وهي منفعة تزكية نفوسهم اهتمامًا بها وبعثًا لها بالحرص على تحصيل وسائلها وتعجيلًا للبشارة بها. فأما في دعوة إبراهيم فقد رتبت الجمل على حسب ترتيب حصول ما تضمنته في الخارج، مع ما في ذلك التخالف من التفنن. اهـ.

.قال ابن عادل:

الفرق أن المراد بالتزكية هنا التطهير من الكفر، وكذلك فسروه.
وهناك المراد بها الشهادة بأنهم خيار أزكياء، وذلك متأخر عن تعلم الشرائع والعمل بها. اهـ.

.قال ابن عرفة:

قال بعضهم: حيث يقدم التزكية يكون معظم المخاطبين عواما مقلدين ليسوا أهلا لتعلم الحكمة والكتاب فتكون التزكية أهم، وحيث يقدم التعليم يكون المخاطبون خواص فيكون الأهم التعليم مع أن كِلاَ الأمرين مطلوب. والكتاب هو الكلام المعجز، والحكمة القول غير المعجزة. اهـ.
وقال ابن عرفة:
قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ}.
قيل: إن هذا تكرار، ففصل في أولها ثم أجمل ب {ما لم تكونوا تعلمون} شمل الكتاب والحكمة. ومنهم من قال: إنّ العلم قسمان: علم يكون الإنسان بحيث لو شحذ قريحته وفكر فيه لأدركه من تلقاء نفسه بعقله وفطرته، وعلم لايمكن للإنسان التوصل إليه من ذاته ولا يقبل أن يتعلمه وحده بعقله بوجه. وهذا هو المراد بقوله: {وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} أي ما لم تكونوا قابلين لمعرفته بعقولكم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَيُعَلّمُكُمُ الكتاب والحكمة} صفةٌ أخرى مترتبةٌ في الوجود على التلاوة وإنما وسَّطَ بينهما التزكية التي هي عبارةٌ عن تكميل النفسِ بحسَبِ القوةِ العملية وتهذيبِها المتفرِّعِ على تكميلها بحسَب القوة النظرية الحاصلِ بالتعليم المترتب على التلاوة للإيذان بأن كلًا من الأمور المترتبة نعمةٌ جليلةٌ على حِيالها مستوجبةٌ للشكر، فلو رُوعيَ ترتيبُ الوجود كما في قوله تعالى: {وابعث فِيهِمْ رَسُولًا مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آياتك وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب والحكمة وَيُزَكّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} لتبادَر إلى الفهم كونُ الكلِّ نعمةً واحدةً كما مر نظيرُه في قصة البقرة، وهو السرُّ في التعبير عن القرآن تارة بالآيات وأخرى بالكتابِ والحِكمة رمزًا إلى أنه باعتبار كلِّ عنوانٍ نعمةٌ على حِدةٍ، ولا يقدح فيه شمولُ الحكمةِ لما في تضاعيف الأحاديثِ الشريفةِ من الشرائع، وقولُه عز وجل: {وَيُعَلّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} صريحٌ في ذلك فإن الموصولَ مع كونه عبارةً عن الكتاب والحِكمة قطعًا قد عُطف تعليمُه على تعليمها، وما ذلك إلا لتفصيل فنونِ النعم في مقامٍ يقتضيه كما في قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} عقيب قوله تعالى: {نَجَّيْنَا هُودًا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا} والمراد بعدم علمِهم أنه ليس من شأنهم أن يعلموه بالكفر والنظر وغيرِ ذلك من طرق العلم لانحصار الطريقِ في الوحي. اهـ.

.قال الراغب:

إن قيل ما معنى ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون وهل ذلك إلا الكتاب والحكمة قيل عنى بذلك العلوم التي لا طريق إلى تحصيلها إلا من جهة الوحى على ألسنة الأنبياء ولا سبيل إلى إدراك جزئياتها وكلياتها إلا به، وعنى بالحكمة والكتاب ما كان للعقل فيه مجال في معرفة شيء منه، وأعاد ذكر ويعلمكم مع قوله ما لم تكونوا تعلمون تنبيها على أنه مفرد عن العلم المتقدم ذكره. اهـ.

.قال السعدي:

يقول تعالى: إن إنعامنا عليكم باستقبال الكعبة وإتمامها بالشرائع والنعم المتممة، ليس ذلك ببدع من إحساننا، ولا بأوله، بل أنعمنا عليكم بأصول النعم ومتمماتها، فأبلغها إرسالنا إليكم هذا الرسول الكريم منكم، تعرفون نسبه وصدقه، وأمانته وكماله ونصحه.
{يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا} وهذا يعم الآيات القرآنية وغيرها، فهو يتلو عليكم الآيات المبينة للحق من الباطل، والهدى من الضلال، التي دلتكم أولا على توحيد الله وكماله، ثم على صدق رسوله، ووجوب الإيمان به، ثم على جميع ما أخبر به من المعاد والغيوب، حتى حصل لكم الهداية التامة، والعلم اليقيني.
{وَيُزَكِّيكُمْ} أي: يطهر أخلاقكم ونفوسكم، بتربيتها على الأخلاق الجميلة، وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة، وذلك كتزكيتكم من الشرك، إلى التوحيد ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق، ومن التباغض والتهاجر والتقاطع، إلى التحاب والتواصل والتوادد، وغير ذلك من أنواع التزكية.
{وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ} أي: القرآن، ألفاظه ومعانيه، {وَالْحِكْمَةَ} قيل: هي السنة، وقيل: الحكمة، معرفة أسرار الشريعة والفقه فيها، وتنزيل الأمور منازلها.
فيكون- على هذا- تعليم السنة داخلا في تعليم الكتاب، لأن السنة، تبين القرآن وتفسره، وتعبر عنه، {وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} لأنهم كانوا قبل بعثته، في ضلال مبين، لا علم ولا عمل، فكل علم أو عمل، نالته هذه الأمة فعلى يده صلى الله عليه وسلم، وبسببه كان، فهذه النعم هي أصول النعم على الإطلاق، ولهي أكبر نعم ينعم بها على عباده، فوظيفتهم شكر الله عليها والقيام بها؛ فلهذا قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.سؤال: لم خص تعليم الحكمة من عموم تعليم الكتاب؟

قال الحرالي: خص تعليم الحكمة من عموم تعليم الكتاب، لأن التوسل بالأحكام جهد عمل والتوسل بعلم الحكمة يسر منال عقل، لأن الحكمة منال الأمر الذي فيه عسر بسبب فيه يسر فينال الحكيم بحكمته لاطلاعه على إفضاء مجعول الأسباب بعضها لبعض مما بين أسباب عاجل الدنيا ومسببات آجل الآخرة ما لا يصل إليه جهد العامل الكادح وفي تكملة الكتاب والحكمة بكلمة أل إنهاء إلى الغاية الجامعة لكل كتاب وحكمة بما يعلمه الأولون والآخرون. ثم قال: وبذلك كان صلى الله عليه وسلم يتكلم في علوم الأولين بكلمات يعجز عنها إدراك الخلق نحو قوله صلى الله عليه وسلم: «استاكوا بكل عود ما خلا الآس والرمان فإنهما يهيجان عرق الجذام» لأن الخلق لا يستطيعون حصر كليات المحسوسات، غاية إدراكهم حصر كليات المعقولات، ومن استجلى أحواله صلى الله عليه وسلم علم اطلاع حسه على إحاطة المحسوسات وإحاطة حكمها وألسنتها ناطقها وأعجمها حيها وجمادها جمعًا، لما في العادة حكمة ولما في خرق العادة آية؛ ثم قال: فعلى قدر ما وهب الله سبحانه وتعالى العبد من العقل يعلمه من الكتاب والحكمة، يؤثر عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم أبا بكر رضي الله عنه فكأنما يتكلمان بلسان أعجمي لا أفهم مما يقولان شيئًا ولما كان انتهاء ما في الكتاب عند هذه الغاية أنبأ تعالى أن رسوله صلى الله عليه وسلم يعلمهم ما لم يكن في كتابهم مثال علمه. ففيه إشعار بفتح وتجديد فطرة يترقون لها إلى ما لم يكن في كتابهم علمه. انتهى.
وذلك لأن استعمال الحكمة موجب للترقي فقال تعالى: {ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون} أي من الاستنباط من الكتاب من المعارف بما يدريكم به من الأقوال والأفعال ويسلككم فيه من طرق الخير الكاشفة لظلام الظلم الجالية لمرأى الأفكار المنورة لبصائر الاعتبار. انتهى.
سؤال: لم أعاد قوله: {ويعلمكم} مع صحة الاستغناء عنه بالعطف؟
الجواب: أعاد قوله: {ويعلمكم} مع صحة الاستغناء عنه بالعطف تنصيصًا على المغايرة لئلا يظن أن: {ما لم تكونوا تعلمون} هو الكتاب والحكمة، وتنصيصًا على أن: {ما لم تكونوا} مفعولًا لا مبتدأ حتى لا يترقب السامع خبرًا له فيضل فهمه في ذلك الترقب، واعلم أن حرف العطف إذا جيء معه بإعادة عامل كان عاطفه عاملًا على مثله فصار من عطف الجمل لكن العاطف حينئذٍ أشبه بالمؤكد لمدلول العامل. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ (151)}.
الله جل جلاله بعد أن حدثنا عن الهداية إلي منهجه وإلي طريقه. حدثنا عن نعمته علينا بإرسال رسول يتلو علينا آيات الله. ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي ستأتي على يديه قمة النعم وهو القرآن والدين الخاتم.
قوله تعالى: {رسولا منكم} أي ليس من جنس آخر. ولكنه صلى الله عليه وسلم رسول منكم تعرفونه قبل أن يكلف بالرسالة وقبل أن يأتي بالحجة.. لماذا؟ لأنه معروف بالخلق العظيم وبالقول الكريم والأمانة وبكل ما يزيد الإنسان رفعة وعلوا واحتراما.. إن أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة خديجة وابن عمه علي بن أبي طالب.. هؤلاء آمنوا دون أن يطلبوا دليلا لأنهم أخذوا الإيمان من معرفتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكلف بالرسالة.. فهم لم يعرفوا عنه كذبا قط فقالوا إن الذي لا يكذب على الناس لا يمكن أن يكذب على الله فآمنوا.. فالله سبحانه وتعالى من رحمته أنه أرسل إليهم رسولا منهم أميا ليعلمه ربه.. ولذلك قال الحق تبارك وتعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128)} سورة التوبة.
الحق سبحانه يقول: {يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم}.. الآيات هي القرآن الكريم والتزكية هي التطهير ولابد أن يكون هناك دنس ليطهرهم منه.. فيطهرهم من عبادة الأصنام ومن وأد البنات والخمر والميسر والربا.. ومعنى التزكية أيضا سلب الضار فكأنه جاءهم بالنفع وسلب منهم الضر. وقوله تعالى: {ويعلمكم الكتاب والحكمة}.. الكتاب على إطلاقه ينصرف إلي القرآن الكريم والحكمة هي وضع الشيء في موضعه.. والكتاب يعطيك التكليف إما أن يأمرك بشيء وإما أن ينهاك عن شيء.
إذن فهي دائرة بين الفعل والترك.. والحكمة أن تفعل الفعل الذي يحقق لك خيرا ويمنع عنك الشر وهي مأخوذة من الحكمة أو الحديدة التي توضع في فم الجواد لتحكم حركته في السير والوقوف، وتصبح كل حركة تؤدي الغرض منها والحكمة أيضا هي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقا لقوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} من الآية 34 سورة الأحزاب.
وقوله سبحانه: {ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون} لأنكم أمة أمية. فإن بهرتكم الدنيا بحضارتها فستبهرونهم بالإشعاعات الإيمانية التي تجعلكم متفوقين عليهم.. فكل ما يأتيكم من السماء هو فوق كل حضارات الأرض.. لذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما عمر لولا الإسلام. اهـ.